تأسيس مدينة بوينس آيرس
حصل تأسيس مدينة بوينس آيرس مرتين في التاريخ. حدثت أول مرة في عام 1536، عندما أسس المستكشف الإسباني بيدرو دي ميندوسا أول مستوطنة. دعاها مدينة الروح القدس ومرفأ سيدتنا مريم شفيعة الرياح الجيدة. جرى التأسيس الثاني والنهائي بواسطة خوان دي غاراي عام 1580، الذي دعى الموقع بإسم مدينة الثالوث. خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر، تحول المرفأ إلى نقطة وصول تيار الهجرة الكبير الذي كانت تشجع عليه الدولة الأرجنتينية لزيادة عدد سكان الأمة. أعطى المهاجرون الإسبان والإيطاليون والسوريون واللبنانيون والبولنديون والروسيون الطابع الثقافي لـ بوينس آيرس الذي يميزها. خلال القرن العشرين، أنهت هجرات متتابعة (من داخل البلد ومن بلدان من أميركا الجنوبية ومن آسيا) تشكيل بوينس آيرس كمدينة عالمية التي فيها يعيش الناس حياة مشتركة من التنوع الثقافي والديني.
تأسيس مدينة بوينس آيرس الأول
إن أول تأسيس لمدينة بوينس آيرس كان في آذار عام 1536، عندما أسس دون بيدرو دي ميندوسا مستوطنة هشة تتألف من مربع واحد مع امتداد واحد ومرفأ “ميناء سيدتنا مريم المقدسة شفيعة الرياح الجيدة.”
استلم المستعمر الإسباني من الملك كارلوس الخامس قرار تعيينه مقدماً لكي يستولي ويستوطن الأراضي المحيطة بمنطقة ريو دي بلاتا، التي تَعِد بغناها بالذهب والفضة، ولكي يضع حداً لامتداد البرتغاليين في المنطقة.
وصل دون بيدرو دي ميندوسا بحملة تتألف من 1500 رجل إلى منطقة تدعى نهر السفن (حيث يقع اليوم حي لا بوكا) وثم أقام قرية بدائية للإقامة ودراسة المنطقة تتشكل من أكواخ من طين وقش، وكنيسة صغيرة، وحصن عسكري متواضع، في محيط منطقة حديقة ليساما الحالية، فوق الوادي.
كان يمر في تلك المنطقة قبائل الكيراندي، بدو من الهنود الحمر، الذين أسسوا في البداية علاقة سلمية تجارية مع المحتلين لتبادل منتجاتهم من نتاج صيد الحيوانات والسمك مع بضائع إسبانية. لكنهم ثاروا لاحقاً نتيجة لمتطلبات التموين اليومية وأدوانوا الإسبان لتسبيبهم مجاعة التي دفعتهم لأكل بعضهم البعض وأكل ثيابهم وأحذيتهم، كما أورد الألماني أولريخ شميد في سجلات المدينة الأولى.
بلغت سلسلمة من الكمائن والهجمات والانتقامات ذروتها ودمرت المدينة من قبل قبائل الكيراندي بعد أربعة سنوات من تأسيسها الأول. وأجبر سكانها على العودة. مات دون بيدرو دي ميندوسا في رحلته إلى إسبانيا قبل الوصول إلى وجهته.
هذا ما يذكره تاريخ بوينس آيرس عن تأسيسها الأول. لكن العديد من المؤرخين يقولون أنه لأجل تأسيس مدينة، فإنه يجب أن تتحوي على كنيسة، ومجلساً، وحصناً عسكرياً. كما في تلك الحال فإن دون بيدرو دي ميندوسا أسس المدينة بدون أي مجلس، فإن النقاش ما زال قائماً فيما إذا كان ذلك تأسيساً أم مجرد مستوطنة.
تأسيس مدينة بوينس آيرس الثاني
كان التأسيس الثاني والنهائي لـ بوينس آيرس من مسؤولية خوان دي غاراي، الذي أسس في 11 حزيران من عام 1580 فوق الوادي النهر مدينة ومرفأ، وأطلق إسم “مدينة الثالوث” على المدينة، وإسم “السيدة مريم شفيعة الرياح الجيدة” على المرفأ. ومع الوقت انتشر إسم “الرياح الجيدة” (Buenos Aires)
تم توزيع الأراضي الزراعية على المستوطنين الأوائل لمدينة خُطّطَت وفقاً للقونين جزر الهند الموضوعين عام 1573، وهي تشريعات سنها الملوك الإسبان لتنظيم الحيات الإجتماعية والسياسية والاقتصادية بين مستوطني الجزء الأميركي من الملكية الإسبانية. كانت تتألف من شكل شطرنجي حيث تمتد الأراضي المؤهلة للبناء: 144 جزيرة محاطة بالشوارع. كانت الساحة الكبرى (التي تدعى اليوم ساحة أيار La Plaza de Mayo) الجزيرة المركزية وعلى محيطها تتوزع المباني الرئيسية: المجلس، والكنيسة، وبيت الحاكم.
مرت السنين وبدا نمو بوينس آيرس متأخراً لسببين رئيسيين: الهجومات المستمرة للهنود والعقبات التي واجهتها في طريق تطورها الاقتصادي. بعيداً عن كونها طريق الثروات التي طال إنتظارها، فإنها كانت مدينة متأخرة ومحدودة. بينما تابعت ليما (العاصمة الحالية للبيرو) كونها مركز الإمبراطورية المشع، ومن هناك كانت الملكية تنفذ احتكارها للطرق التجارية مانعة أي إمكانية لأي مرفأ آخر.
إقرأ أيضاً: 10 أشياء لم تعرفها عن شعب الفايكينغ
بوينس آيرس عاصمة النيابة الملكية في ريو دي بلاتا
تغير هذا في عام 1776، عندما تأسست النيابة الملكية التابعة للتاج الإسباني لمنطقة ريو دي بلاتا، وتعينت بوينس آيرس عاصمة له. بدأت تتحول إلى مرفأ ومركز جمركي مهمين، ولا يمكننا أن ننكر عمليات التهريب ونشاطات القرصنة التي كانت تحصل.
بوينس آيرس عاصمة جمهورية الأرجنتين
في عام 1880 أصبحت عاصمة جمهورية الأرجنتين، وأنفصلت عن ولاية بوينس آيرس. حتى عام 1994 كانت تعتمد على الحكومة المركزية وتتم إدارتها بواسطة عمدة يعينه رئيس الأمة. وابتداءً من ذلك التاريخ تحولت إلى مدينة ذات إدارة ذاتية ويحكمها رئيس منتخب باقتراع شعبي.
أصل إسم بوينس آيرس
يعني الإسم في العربية: الرياح الجيدة، وربما يظن أحدنا أن المستكشفين الأوائل الواصلين إلى تلك الأراضي قد وجدوا “رياحها جيدة”. في الواقع فإن العديد من المقالات العلمية تناقش أن مدينة بوينس آيرس تتوضع على سهل كبير مفتوح حيث تهب الرياح من كل حدب وصوب وتنظف الجو وتمنع التلوث.
على أية حال، الإسم يعود إلى إيقونة للعذراء مريم من جزيرة سردينيا كانت تدعى (بونايرا) ويقال لها: عذراء بوين آيريه (أي عذراء الرياح الجيدة) والتي تنتمي في الأساس إلى مدينة كاليياري (Cagliari) في إيطاليا.
تقول الحكاية أنه في عام 1370، وصلت إلى شواطئ تلك المدينة في سردينيا صندوق يحوي في داخله أيقونة للعذراء وهي تحمل الطفل يسوع على ذراعها، وباليد الأخرى تحمل شمعة. ومن ذلك الحين زاد احترام البحارة لهذه الأيقونة وسمّوها عذراء الرياح الجيدة واتخذوها شفيعة لهم.
وصلت إلى إسبانيا على يد البحارة وهناك تم الترويج لإتّباعها، وعلى الخصوص في ميناء سيفييا (Sevilla) حيث كانت من هناك تغادر البعثات الاستكشافية إلى المستعمرات الجديدة.
وهكذا وصلت الأيقونة إلى منطقة ريو دي بلاتا، محمولة على يد كاهنين الذين كانا مع المجموعة التي يقودها دون بيدرو دي ميندوسا، الذي قاده حبّه للعذراء ليقرر تكريمها بمنح اسمها للمدينة المؤسسة. ولهذا كانت تدعى بوينس آيرس: “ميناء سيدتنا مريم العذراء شفيعة الرياح الجيدة.”