التحقق من نظرية النسبية العامة في مختبر يقع خارج كل التوقعات
يقع الثقب الأسود الكبير الأقرب إلى الأرض على بعد 26 ألف سنة ضوئية، في مركز مجرة درب التبانة. تدور حول وحش الجاذبية هذا – بكتلة أكبر من كتلة الشمس بأربعة مليون مرة – مجموعة صغيرة من النجوم بسرعة هائلة. إن هذا الوسط القاسي (حقل الجاذبية الأكبر في مجرتنا) هو مكان مثالي لاستكشاف فيزياء الجاذبية، ولتجريب نظرية النسبية العامة لآينشتاين.
مركز مجرة درب التبانة مختبر لتجريب النسبية العامة:
سمحت صور حديثة بالأشعة تحت الحمراء المحمولة على آلات مثل GRAVITY و SINFONI و NACO الشديدة الحساسية والموجودة على تلسكوب VLT العائد للمرصد الأوروبي الجنوبي في تشيلي في أمريكا الجنوبية، سمحت هذه الصور لعلماء الفضاء بمتابعة واحدة من هذه النجوم التي تدعى S2، بينما كانت تعبر بشكل قريب جداً من الثقب الأسود خلال شهر أيار/مايو عام 2018.
في النقطة الأقرب، كانت تلك النجمة على بعد أقل من 20 مليون كيلومتر عن الثقب الأسود، وكانت تتحرك بسرعة تفوق ال 25 مليون كيلومتر بالساعة، أي 3% من سرعة الضوء تقريباً.
قارن فريق الباحثين قياسات الموقع وسرعة GRAVITY و SINFONI على التوالي وصور سابقة للنجم S2 من أدوات تصوير أخرى مع توقعات الجاذبية حسب قوانين نيوتن، والنسبية العامة ونظريات أخرى عن الجاذبية. وأتت النتائج بشكل لا يتفق مع التوقعات حسب قوانين نيوتن، بل تتفق بشكل مثالي مع التوقعات التي تقدمها نظرية النسبية العامة لآينشتاين.
“إنها المرة الثانية التي نراقب فيها مسار النجم S2 بالقرب من الثقب الأسود الخاص بمركز مجرتنا. لكن، هذه المرة، وبفضل امتلاكنا لأدوات أفضل، استطعنا أن نراقب النجم بدقة لا سابق لها. لقد كنا نتحضر لهذا الحدث منذ سنين، حيث كنا نريد استغلال هذه الفرصة الفريدة لأقصى حد لأجل مشاهدة التأثيرات النسبية العامة.” يقول – راينهارد غينزل – من معهد ماكس بلانك لفيزياء الفضاء (MPE) في غارخينغ، ألمانيا.
إقرأوا أيضاً على أعجمي مركز المجرة النفّاث – ظاهرة غريبة من مجرّة بعيدة
المراقبة والاستنتاجات:
كشفت التقنيات الجديدة الستار عن تأثير يدعى “إزاحة الأحمر نتيجة الجاذبية”. حيث ينزاح ضوء النجم إلى أطوال موجات أكبر بسبب حقل الجاذبية القوي للثقب الأسود. ويطابق التغيير في طول موجة ضوء النجم S2 بشكل دقيق مع توقعات نظرية النسبية العامة لآينشتاين.
استخدم الفريق مسبار SINFONI لقياس سرعة النجم S2 وهو يقترب ويبتعد عن الأرض، والمسبار GRAVITY الموضوع على تلسكوب VLT للقيام بقياسات دقيقة للغاية للموقع المتغير للنجم بهدف تحديد شكل مداره. التقط GRAVITY صوراً دقيقة التي بإمكانها إظهار حركة النجم من ليلة إلى أخرى بينما يقترب من الثقب الأسود (الذي يبعد 26 ألف سنة ضوئية عن الأرض أي المسافة التي يقطعها الضوء خلال سنة وسرعة الضوء تصل إلى حوالي 300 ألف كيلومتر في الثانية).
خلال اقترابه، تمكن الباحثون من ملاحظة التوهّج الضعيف حول الثقب الأسود في معظم الصور، الأمر الذي أتاح متابعة النجم في مساره بدقة أكبر، وهذا ما أدى بدوره إلى الكشف عن ظاهرة “إزاحة الأحمر نتيجة الجاذبية” في الطيف الضوئي للنجم S2.
أظهر آينشتاين مرة أخرى أنه على حق بعد أكثر من 100 عام على نشر مقالته التي أسس فيها معادلات النسبية العامة وهذه المرة في مخبر ذي ظروف صارمة أكثر مما كان يتوقع.
“هنا، في النظام الشمسي، نستطيع فقط أن نجرب قوانين الفيزياء الآن وتحت ظروف معيّنة. لذلك من المهم جداً في علوم الفضاء أن نتأكد من أن تلك القوانين صالحة أيضاً هناك حيث تكون حقول الجاذبية أكثر قوة بكثير.” يقول – فرانسواز ديبلانك – من مديرية قسم هندسة الأنظمة في المرصد الأوروبي الجنوبي.
يستمر الباحثون في الوقت الحالي بإجراء مراقبات ومن المترقب أنها سوف تؤكد قريباً تأثيرات نسبية أخرى – فبابتعاد النجم S2 عن الثقب الأسود من المحتمل أن يظهر دوران صغير في مدار النجم يُعرف باسم مداورة شوارزشيلد (المداورة هي تغيّر محور الدوران وتُعرف أيضاً باسم البدارية).
تُرجم عن مقال في موقع Agencia SINC الإسباني.
