آلة (ساركو) للموت الرحيم
من الجرعات وصولاً الى آلة ساركو، شهدت الأعوام المنصرمة تطوير عدة آلات تمكن البشر من تقرير موتهم بأنفسهم، بدءاً بإختيار الموت عن طريق الحقن بجرعات قاتلة من أدوية مثبطة للجهاز العصبي مثل (الباربيتورات) مروراً بالإختناق بواسطة غاز أول أوكسيد الكربون انتهاءً إلى الموت باستخدام غاز النيتروجين الذي شارف (فيليب نيتشكه-Philip Nitschke) الملقب بطبيب الموت على وضع اللمسات الأخيرة على آلته المميتة الجديدة مستخدماً إياه.
أسباب اختراع هذه الآلة:
في عام 2012، لمعت فكرة صنع آلة تسمح لك بكتابة الخاتمة لحياتك في مخيلة الطبيب فيليب نيتشكه الاسترالي بعد تأثره بحالة أحد المصابين في وتر العرقوب نجم عن جلطة دماغية تعرض إثره المريض للشلل التام وعدم القدرة على التكلم أو السير مما دفعه للإمتناع عن الطعام والشراب حتى الموت بعد رفض المحكمة البريطانية تلبية رغبته في الموت الرحيم.
أطلق على هذه الآلة الفريدة اسم (ساركو – Sarco)، والهدف منها كما قيل على لسان الطبيب هو إتاحة الخيار للمرضى والمصابين بأمراض مزمنة لتقرير موتهم بسلام وبدون تلقي أي مساعدة وبطريقة فعالة وموقرة.
صرح د.(فيليب نيتشكه) لصحيفة “الاندبندنت – The Independent Newspaper”: “اختيار الموت ليس شيء تخجل من الإفصاح عنه”.
يجدر بالذكر أنه تم اختراع الجهاز من قبل الدكتور فيليب نيتشكه في 2017 وفي 2021 أعلن نيتشكه بان الجهاز سيستخدم بشكل قانوني في سويسرا.
كيفية عمل الآلة ( ساركو – Sarco ):
آلة ساركو هي جهاز موت رحيم على هيئة كبسولة أو نعش مُثبتة على قاعدة ثلاثية الأبعاد تحتوي على عبوات النيتروجين السائل التي ينطلق منها الغاز إلى الكبسولة مما يُقَلِّل من مستوى الأوكسجين بشكل سريع من 25% إلى أقل من 1%. وينتج عن ذلك شعور الشخص بنوع من الضبابية، كما قد يشعر ببعض النشوة قبل أن يفقد وعيه.
تعمل آلة ساركو من خلال ملئ الكبسولة بغاز النيتروجين، ومع استمرار تدفق غاز النيتروجين سيغط الشخص بداخلها في سبات عميق وسيموت في غضون دقائق، حيث يحدث الموت كنتيجة لنَقص الأكسجة ونَقص ثاني أكسيد الكربون في الدم على التوالي.
ولا يصاحب هذا الإجراء أي شعور بالذعر أو الاختناق. وبمجرد إكتمال العملية، تنفصل الكبسولة القابلة للتحلل من قاعدة الماكينة لتكون بمثابة تابوت للمتوفي. وعلى الرغم من تأكيد د.(فيليب) المتكرر عن سلاسة وأمان الآلة التي اخترعها في الموت مشيراً إلى خلوها من أي نوع من الألم إلا أن طريقته قد لاقت إمتعاض من طرف بعض الأشخاص وقدموا إعتراضات جمة مستندة إلى أسباب تاريخية.
وقد رد د.(فيليب) موضحاً السبب التاريخي لهذه الإعتراضات قائلًا: ” ربما الغاز لم يكن يوماً الطريقة المُثلى للمساعدة في الإنتحار في أوروبا نتيجة مضامين سلبية أخذت الزخم الذي أحدثته محرقة اليهود (الهولوكست)”.
اقرأ أيضاً على أعجمي: العلمانية: حق اختيار الدين وحرية المعتقد
تجربة الآلة (ساركو) في المعرض الجنائزي ورد الفعل الذي لاقته
أُتيحت فرصة تجربة (ساركو) من خلال نظارات الواقع الإفتراضي في المعرض الجنائزي لكنيسة (ويستمرك) بأمستردام في شهر إبريل/نيسان المنصرم، مما آثار وقتها قلق أعضاء مجلس الكنيسة حول كيفية استقبال الآلة حيث أن طريقة الموت هذه تعادي تعاليم الدين المسيحي. مما جعل (جيرون كرامر) -رئيس كنيسة (ويستمرك)- يصرح لصحيفة «الاندبندنت»: ” إن الكنيسة لا تشجع أياً من هذه الطرق في الموت ولا تدعم من يريدون خوض غمار التجربة من خلال المعدات التي يروج لها د.(نيتشكة)، ونأمل في إعادة النظر في إتاحة تلك الآلة من عدمها بناءً على مناقشات متعمقة ودقيقة. ”
يقول د.(نيتشكة): “يظن أعضاء مجلس الكنيسة أن التكنولوجيا المُستخدمة في الآلة وتصميمها الفريد على النمط المستقبلي بإمكانه أن يجذب جمهوراً من صغار السن، ولكن هذا ليس الهدف من تصميمها. وبالرغم عن هذه التحفظات، فإن عرضها من خلال نظارات الواقع الإفتراضى لاق رواجاً بين الحاضرين في المعرض الجنائزي”.
عادة ما تتضمن تلك الطرق في الإنتحار على زر يمكنك ضغطه للعدول عن قرارك، ولكن يستحيل هذا بالنسبة لمن يعانون من عجز على المستوى الجسدي، لذلك حرص د.(فيليب) على استخدام حركات العين كومضها عدة مرات على سبيل المثال.
من المقرر بناء النسخة الكاملة من هذه الآلة في وقت لاحق من هذه السنة في هولندا، قبل أن يتم شحنها إلى سويسرا التي تشرع الإنتحار أو الموت الرحيم قانونياً. ويخطط د.(نيتشكة) لتطوير نسخة من هذه الآلة من خلال تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد.
تتيح المنظمة القائمة على تطوير (ساركو) إمكانية الاستعلام وطرح الأسئلة والنقاشات للأفراد الراغبين بإنهاء حياتهم بطريقة كريمة دون الأخذ في الحسبان أي قلق أو خوف من الآلة.
الجدير بالذكر، أن الموت الرحيم مجرم قانونياً في العديد من الدول، ومُشرع فقط في 30 دولة متضمنة دولاً من أمريكا الجنوبية مثل (الأوروغواي والبيرو).
مترجم بتصرف عن: independent