فاسكو دا غاما : سيرة حياة المستكشف البرتغالي
كان فاسكو دا غاما بحاراً ومستكشفاً برتغالياً ناجحاً للغاية خلال عصر الاستكشاف. هو أول شخص يبحر مباشرة من أوروبا إلى الهند، حول رأس الرجاء الصالح. كان اكتشافه مفصلياً في تاريخ الملاحة، فضلاً عن دوره الرئيسي في ترسيخ البرتغال كإمبراطورية استعمارية كبرى.
سبيل إلى الهند
ولد دا غاما عام 1460 لعائلة من النبلاء في سينيس، البرتغال. كان والده، استيفاو، مستكشفاً بدوره. تعلّم دا جاما الملاحة في البحرية، التي انضم إليها حالما بلغ من العمر ما يكفي لذلك. في عام 1497، تم تعيين دا جاما لقيادة سفينة بهدف اكتشاف طريق الإبحار إلى الهند.
قبل ذلك بعدة عقود، كان هنري “الملاح” قد رعى العديد من الرحلات الناجحة في شمال وغرب أفريقيا. كانت هذه الرحلات أولى خطوات البرتغال لتصبح قوة بحرية واستعمارية رئيسية. في عام 1487 ، اكتشف بارتولوميو دياز أن المحيطين الهندي والأطلنطي متصلان. الأمر الذي أثار اهتمام الملك البرتغالي مانويل، الذي كان يرغب في قهر الإسلام وتثبيت نفسه ملكاً للقدس، بالإضافة إلى كسب المال من تجارة التوابل.
قام دي غاما بقيادة أربع سفن عندما انطلق في 8 يوليو عام 1497. وركب دا جاما نفسه في سفينة “سانت غابرييل” التي تزن 200 طن، وقاد شقيقه الأصغر باولو سفينة “سانت رافائيل”. أبحر دا غاما جنوباً، مستفيداً من الرياح السائدة قبالة الساحل الغربي لإفريقيا، وتوجه إلى المحيط الأطلسي قبل أن ينحرف مرة أخرى بشكل قوس لمقابلة ساحل جنوب إفريقيا. ثم قاربَ رأس الرجاء الصالح وغامر في المحيط الهندي.
وحتى وصولهم إلى مياه المحيط الهندي، كان معظم طاقمه قد أصيب بداء الأسقربوط. رسى دا غاما في الموزمبيق للراحة وإعادة الإمداد.
وهناك، كان لديهم مناوشات مع السلطان الذي لم يعتقد أن هدايا الأوروبيين كانت كافية. ومن ثم رسوا في مومباسا ومالندي، حيث وافق مرشد عربي على مساعدة دا غاما؛ قد يكون الدليل ملاحاً عربياً شهيراً “أحمد بن ماجد”.
أبحر أسطول دا غاما لمدة 23 يوماً قبل أن يرسو في كاليكوت في الهند، (كوزيكود في العصر الحديث) في 20 مايو 1498. افترض الأوروبيون أن السكان المحليين كانوا مسيحيين، رغم أنهم كانوا في الواقع هندوسيين. على الرغم من سوء الفهم هذا، وافق حاكم كاليكوت على التجارة مع دا غاما، وحصل على كمية كبيرة من التوابل الثمينة. غير أن المسلمين الذين كانوا يتاجرون بالفعل في كاليكوت كانوا أقل استحساناً لمنافسة دا غاما، وأجبروه على مقايضة الكثير من توابله للحصول على الإمدادات الكافية للرحلة إلى الوطن.
العودة إلى البرتغال
في أغسطس، بعد ثلاثة أشهر في الهند، غادر أسطول دا غاما كاليكوت – على الرغم من التحذيرات باقتراب موسم الرياح الموسمية. واجهت السفن عواصف رهيبة أثناء رحلتها. استغرق المرور عبر المحيط الهندي – الذي أخذ أكثر من ثلاثة أسابيع في وقت سابق – أكثر من ثلاثة أشهر، توفي خلالها الكثير من الرجال في الأسقربوط، مما دفع دا غاما لحرق سفينة القديس رافائيل لعدم وجود طاقم كافٍِ.
انفصلت السفن قبالة الساحل الغربي لأفريقيا، وعادت إلى لشبونة في أوقات مختلفة. وأُصيب “باولو” شقيق دا غاما بالمرض، ونقله دا جاما إلى جزر الأزور آملاً في شفائه.
توفي باولو على جزر الأزور، وبعد الحداد على الجزيرة لبعض الوقت، عاد دا غاما في النهاية إلى البرتغال بعد أكثر من شهر من عودة السفن الأخرى.
في نهاية المطاف، استغرق أسطول دا غاما أكثر من عام للعودة إلى الوطن بعد مغادرة الهند. على الرغم من أن 54 من أصل 170 من أفراد الطاقم الأصلي عادوا إلى البرتغال في عام 1499 ، إلا أن دا غاما تلقى ترحيباً يليق ببطل. وقد أصبح أميرالاً وتزوج من “كاتارينا دي أتايدي”، وهي امرأة من عائلة نبيلة. كانت تجارة التوابل مهمة للغاية بالنسبة للبرتغال، وبعد فترة وجيزة من عودة دا غاما، أرسل الملك مانويل رحلة استكشافية أخرى إلى الهند بقيادة “بيدرو ألفاريز كابرال”.
أنشأ كابرال مركزاً تجارياً في كاليكوت، لكن النزاعات مع المسلمين المحليين أسفرت عن معارك ووفاة 70 برتغالياً.
اقرأ أيضاً على أعجمي: المهندس الثاني، ليوناردو دا فينشي
الرحلة الثانية إلى الهند
في عام 1502، أرسل الملك مانويل دا غاما للمرة الثانية إلى الهند ليضمن هيمنة البرتغال في المنطقة. غادر دا غاما لشبونة مع 20 سفينة مسلحة تحت إمرته. خلال رحلته، ذبح دا غاما المئات من المسلمين، مهاجماً السفن ومطلقاً المدافع على المراكز التجارية على طول الساحل الشرقي لأفريقيا. في إحدى الحوادث، أمر بذبح 380 شخصاً – بينهم نساء وأطفال – على متن سفينة إسلامية عائدة مكة.
واستمرت ممارساته الوحشية بمجرد وصوله إلى كاليكوت. هناك، دمر المركز التجاري وقتل 38 رهينة. وبمجرد استسلام حاكم كاليكوت، ذهب دا غاما جنوباً إلى كوتشين (المعروفة باسم كوتشي اليوم). حيث أقام تحالفاً مع الحاكم المحلي، وحرص على ضمان وضع البرتغال كمتاجر بارز في مجال التوابل.
غادر دا غاما كوتشين في فبراير 1503. وفي رحلة العودة، أسس مراكز تجارة برتغالية في ما يعرف الآن بموزمبيق. أصبحت البرتغال فيما بعد القوة الاستعمارية الرئيسية في موزمبيق.
كجزء من هذه الرحلة الهندية الثانية، تم تسليم عميّ دا غاما – فيشنتي و براس سودري – قيادة سرب من خمسة سفن مع تعليمات لحماية الدول التجارية الصديقة على الساحل الغربي للهند. كما تم تكليفهم بتعطيل الملاحة العربية على طول الطريق، وذلك وفقاً لديفيد ميرنز، من شركة Blue Water Recoveries في المملكة المتحدة. وعند عصيان هذه الأوامر، قام الأعمام وسربهم، بالانطلاق إلى خليج عدن بدلاً عن ذلك، والقيام بحملة قرصنة.
في إحدى المراحل، بعد قتل جميع من كان على متن خمس سفن عربية، لجأ الإخوة سودري إلى خليج قبالة الساحل الجنوبي لسلطنة عمان لإصلاح سفنهم الخاصة. متجاهلين تحذيرات الصيادين المحليين حول الرياح القوية القادمة، وانتزعت سفنهم من مراسيها. غرقت سفينة فيشنتي في المياه العميقة، مما أسفر عن مقتله مع طاقمه. هذه السفينة، ناو إزميرالدا، هي التي يعتقد العلماء أنهم اكتشفوها قبالة سواحل عُمان، وأعلنوا هذا في مارس 2016.
حياته في البرتغال ورحلته الأخيرة.
لمدة 20 عاماً، عاش دا غاما في البرتغال مع زوجته وأبنائه الستة وابنته الوحيدة. حيث واصل تقديم المشورة للملك مانويل حول الأمور المتعلقة بالهند، وتم اعتباره كونت فيديغويرا في عام 1519.
بعد وفاة الملك مانويل، طلب الملك جون الثالث من دا غاما العودة إلى الهند مرة أخرى. وقد طُلب منه المساعدة في التعامل مع الفساد المتزايد للمسؤولين البرتغاليين هناك. في عام 1524، أبحر دا غاما مرة أخرى – هذه المرة مع لقب نائب الملك.
مرض دا غاما بعد وصوله إلى كوتشين مباشرة. وتوفي بمرض غير معروف في 24 ديسمبر 1524. تم دفنه في البداية في كنيسة كاثوليكية في كوتشي، فيما بعد تم نقل رفاته إلى مسقط رأسه البرتغال في 1538.
مترجم بتصرف عن : livescience للكاتبة: Jessie Szalay