القوى الخارقة لنباتات القطب الجنوبي
هي نباتات تصنع مضاد التجمد والواقي الشمسي الخاص بها لعدّة قرون ثم تعود إلى الحياة من جديد ! ومن خلال هذا المقال ستتغير نظرتك كلّياً لطحالب القطب الجنوبي.
كيف تواجه النباتات هذا الطقس القاسي؟
إذا كنت قد واجهت صعوبة في إبقاء نبات حي على قيد الحياة، فتخيّل محاولة زراعة أي شيء في أنتاركتيكا (القطب الجنوبي). حيث تشرق الشمس 24/7 ساعة في الصيف ثم تختفي كلّياً في الشتاء. وتتوافر المياه العذبة في الربيع أو الصيف إذا كان الطقس معتدلاً بما فيه الكفاية، ولكن في معظم أيام السنة يكون فيها الماء متجمداً. وفي فصل الشتاء، تنخفض درجات الحرارة إلى حوالي -56 درجة تحت الصفر. ( أي أبرد من ثلاجة منزلك !! )
يأتي السؤال الأهم وهو كيف تصمد النباتات هنا ؟
على عكس البطاريق والفقمة في أنتاركتيكا، لا يمكن للنباتات أن تذهب إلى البحر عندما تشتدّ برودة الطقس.
أيضاً على الرغم من صعوبة المناخ هنا، تعيش مجموعة من الطحالب تعتبر أنتاركتيكا منزلها.
“شارون روبنسون” أخصائية بيئية في علم النبات في جامعة وولونجونج الأسترالية، تدرس الأنواع الثلاثة من الطحالب وهي: الشستريديم أنتاركتيتشي، وبريوم بيسودريوكيروم، و سيراتادون بربارياس، التي تنمو في شرق القارة القطبية الجنوبية، وهي منطقة صخرية شديدة البرودة والرياح في القارة.
يمكن للطحالب امتصاص الماء وكذلك المواد المغذية من خلال أوراقها (نعم ، للطحالب أوراق صغيرة ). تقول روبنسون: “في كل مرة أذهب فيها إلى أنتاركتيكا، اسأل نفسي كيف تعمل هذه النباتات الصغيرة جداً على الأرض في هذه الظروف الصعبة حقاً؟ ” وستتابع روبنسون العمل على تحديد أسباب صمودها في هذه البيئة الصعبة.
اقرأ أيضاً على أعجمي: التلوث – مأساة العالم الحديث
طحالب عمرها أكثر من 1500 عام!
يمكن للطحالب أن تدخل في الثبات لعدة قرون وقرون. فأنت تعيش في القطب الجنوبي والظروف من حولك تتجه نحو الأسوأ وإمدادات الماء سوف تجف أو بالأحرى ستتجمّد كلياً، حتى أشعة الشمس التي تحتاجها للطاقة تختفي ودرجات الحرارة في انخفاض دائم. ولكن إذا كنت طحلباً، فلا تقلق! أنت فقط تجف، وعندما يذوب الجليد تنمو مرة أخرى.
في عام 2014 ، قام فريق بريطاني في أنتاركتيكا وجامعة ريدينغ بإحياء طحالب أنتاركتيكا التي ظلت ساكنة لأكثر من 1500 عام. جمع الباحثون الطحالب التي تم تجميدها في التربة الصقيعية. ثم قام الفريق بتقطيع قطع الطحلب إلى أقسام و قاموا بحَضنِ القطع في درجات الحرارة المعتادة في فصل الربيع، و بعد فترة وجيزة، بدأ قسم الطحالب الذي كان لا يقل عمره عن 1530 عاماً في إنتاج براعم جديدة.
كيف تستطيع الطحالب التأقلم مع الظروف القاسية؟ وهل يمكن الاستفادة منها في المستقبل؟
تصنع الطحالب مضاد التجمد الخاص بها! عندما تتشكل بلورة جليدية داخل خلية نبات أو حيوان، فسوف يتوسع الجليد ويفجر جدران الخلايا، مما يؤدي إلى موت الخلية ويؤدي في النهاية إلى موت الكائن الحي. وحسب نظرية روبنسون، تقوم طحالب أنتاركتيكا بتخزين مضاد التجمد الخاص بها في خلاياها، وهو مزيج من السكريات الخاصة والكحوليات السكرية. وفي خلال أشهر الخريف والشتاء تصبح هذه المركبات أكثر تركيزاً.
يدرس الآن باحثون من جامعة أوتاوا وجامعة ألبرتا مركب مضاد للتجمد يوجد في أسماك أنتاركتيكا يمكن أن يؤدي في يوم من الأيام إلى خلق مادة يمكن استخدامها في الأعضاء البشرية أو الأنسجة الأخرى. ماذا عن مضاد التجمد في الطحالب؟ تقول روبنسون: يجب إجراء المزيد من الدراسات أولاً.
تقوم الطحالب أيضا بصنع واقي شمسي خاص بها ! ففي كل ربيع، يظهر ثقب الأوزون – فتحة في طبقة الأوزون- فوق القطب الجنوبي فيتعرّض الطحلب في أنتاركتيكا إلى مستويات خطيرة من الأشعة فوق البنفسجية عند محاولة إجراء التركيب الضوئي. لكن الطحالب تنتج مضادات أكسدة للمساعدة في إبطال مفعول آثار الأشعّة ويبدو أن بعضاً من أنواع الطحالب قد أعطت نتائج أكثر نجاحاً في مكافحة الإشعاع من غيرها، وذلك بفضل مكان تخزين مضادات الأكسدة، وتحاول روبنسون وفريقها معرفة السبب. هذه الإجابات يمكن أن تساعد العلماء على تطوير واقيات الشمس الجديدة للبشر أو غيرها من الواقيات ضد سرطان الجلد.
من هو الكائن الذي سيبقى على قيد الحياة عندما تموت الشمس؟
وهناك مجتمع كامل من الكائنات الحية الدقيقة التي تعيش في الطحالب، إنها من الطحالب أحادية الخلية إلى اللافقاريات الشبيهة بالحشرات التي تجف وتزول في الشتاء. ومن بين هذه الأنواع tardigrade المجهري، وهو نوع يقول العلماء أنه سيكون آخر كائن يقف على الأرض، ويبقى على قيد الحياة حتى تموت الشمس. وتقول أخصائية البيئة روبنسون “أنا متأكدة من أن هنالك أنواعاً كثيرة من الميكروبات لم نكتشفها بعد”، و أنه ربما هنالك شيء ما يختبئ في الطحلب سيكون المفتاح لاكتشاف المزيد من الميكروبات من يدري؟
لحماية هذه النباتات التي تعد من بين أقدم الكائنات الحية في العالم ، تحاول روبنسون رسم خريطة للطحالب في القارة بأكملها، لكن المشكلة الكبرى في أنتاركتيكا هي أن الطحالب مجزأة وموزعة على مساحات كبيرة، مع وجود صخور بينها، تقول روبنسون. “أنت بالتأكيد لا تريد أن تدوس عليهم وتفسدهم نظراً لأن أعمارهم تصل إلى مئات السنين لذلك تمثل تغطية هذه المناطق دون القدرة على المشي فيها عائقاً كبيراً للباحثين، ولكن بالتعاون مع وكالة NASA فإن فريقها قد قام بنشر طائرات بدون طيار مزودة بمقاييس الطيف وكاميرات الحرارة لإجراء مسح جوي وتقييم في المناطق التي تتمتع فيها الطحالب بصحة جيدة. والهدف من هذا كلّه هو جمع معلومات كافية حتى يتمكن الباحثون من وضع خطة هادفة لدراسة وحماية النباتات.
قد يتساءل بعضكم : مع كل المشاكل في العالم لماذا قد نقلق حول الطحالب؟ لأنه إذا انقرضت، فسنفقد الوصول إلى اكتشافات علمية جديدة. تقول روبنسون: “إن فقدانهم سيكون بمثابة فقدان غابات قديمة مازالت تكشف لنا أسرارها،
فأنتاركتيكا هي بمثابة محميّة للعلم والسّلام، لذا علينا تحمل مسؤولية الحفاظ على هذا التنوع البيولوجي واتخاذ إجراءات بشأن تغير المناخ. إذا فعلنا ذلك بشكل صحيح، فستستمر أسرة الطحالب التي يبلغ عمرها 500 عام للاحتفال بعيد ميلادها الألف. “
مترجم بتصرف عن: ted – للكاتبة: Hailey Reissman