هل تعاني من الإرهاق المزمن؟ هكذا يمكنك تحديد أسبابه

0

في كثير من الأحيان، يبحث الأطباء في عيّنات الدم عن أسباب الإرهاق ، فيمكن أن يكون نقصاً في الحديد  – وعادة ما تكون النتائج سريعة وكافية باعتقاد الأطباء – على الرغم من ذلك فأن أسباب التعب المزمن يمكن أن تكمن في أماكن أخرى.

يدخل المريض عيادة الأسرة المنزلي منزعجاً بشكل واضح من معاناته، ولكن مع بعض الأمل في إيجاد حل. يروي المريض قصته، فهو يشعر وكأنه قد “قُتل تماماً” لمدة شهر تقريباً. لا يشعر بالراحة جيداً في الصباح، يكاد أن لا يخرج من السرير، يقوم بإغلاق عينيه مراراً وتكراراً خلال النهار، وفي المساء بالكاد يستطيع مشاهدة فيلم حتى النهاية. لا يتمكن المريض بشكل عام من تحديد السبب المباشر لهذا الاستنفاذ المستمر لقوته البدنية. فهل يمكن أن يكون سبب هذه المعاناة خللاً جسدياً عضوياً؟
شيء واحد مؤكد: هذا المريض ليس وحيداً. ثلث الشعب الألماني فوق 16 سنة يعانون الإرهاق والتعب. إن البحث عن أسباب هذه المعاناة الغامضة أمر معقد وغالباً كخطوة أولية يتم سحب عينة من دم المريض. هذا لتحديد ما إذا كان الجسم يعاني من نقص في التغذية. ولكن في أي الحالات يعتبر سحب العينة ذو معنى فعلاً وما هي القيم التي ينبغي قياسها في الدم؟ يحذر الأطباء والخبراء من تشخيصات خاطئة، ففحص الدم لا يساهم بالضرورة في توضيح المشكلة – حتى أنه في بعض الأحيان يؤدي إلى الضلال.

اقرأ أيضاً على أعجمي : متى يزيد خطر الفصام عشرة أضعاف؟

وهكذا، في عينة الدم عادة ما يتم قياس نسبة الحديد. إذا كانت منخفضة، فهذا يمكن أن يكون سبباً للتعب المستمر. للوهلة الأولى، يبدو هذا الاستنتاج منطقياً: حيث يتم نقل الأكسجين في الدم بواسطة الهيموغلوبين. في وسط هذا البروتين(هيموغلوبين) يتوضع جزيء الحديد الذي يرتبط مع الأوكسجين. فإذا كانت قيمته قليلة جداً في الجسم، فسيكون نقل الأوكسجين سيء للغاية. بالتالي الأعضاء ثم الخلايا تفقد جزءاً من طاقتها، والتي تظهر على المريض على شكل الإرهاق والتعب.

هل يمكن أن يوفّر اختبار بورليوسي المزيد من الوضوح؟

يمكن أن يكون انخفاض مستويات الحديد في الدم سبباً للإرهاق. ولكن كلمة “يمكن” لم تقنع (بيتر مايسل)، مؤلف المبدأ التوجيهي لعلاج التعب المزمن في الجمعية الألمانية لممارسة الطب العام (ديجام). وفق تجربته، الحديد وحده في كثير من الأحيان لا يوفّر تشخيصاً كافياً. وقال الطبيب مايسل؛ “هناك أيضاً الكثير من الأشخاص الذين يعانون من انخفاض مستوى الحديد ولا تظهر عليهم أعراض الإرهاق”.
ومن ناحية أخرى، عودة نسبة الحديد في الدم إلى وضعها الطبيعي لا يعني أن المريض سيستعيد قوته مباشرةً وتختفي أعراض المرض تلقائياً. لذلك، في بعض الأحيان ليس من المفيد وصف مكملات الحديد لمرضى يعانون من التعب، فليس من النادر أن تجد المريض متعباً كما كان عليه الحال قبل تعاطيه للأدوية؛ عندها يبدأ الطبيب المختص بالبحث مجدداً عن سبب آخر.

لدغة القراد قد تسبب التعب المزمن
لدغة القراد قد تسبب التعب المزمن

وفقاً لديجام “يجب الحذر من ما يسمى ب “التشخيصات المحتملة” التي تقوم على اختبار أي شيء يمكن أن يكون سبباً لمرضٍ معين، وذلك لأنه في نهاية إحدى هذه الاختبارات ستظهر النتيجة وسبب المرض، فهذه الطريقة مكلفة وبطيئة.
بنفس الخطأ تم التوجه إلى داء البورليات (borreliosis) كدليل ثابت على أعراض التعب المستمر. سبب هذا المرض هو الميكروبات الحلزونية، يطلق عليهم اسم بوريليا، ينتقل المرض عن طريق لدغة القراد. في معظم الحالات، يتمكن الجهاز المناعي الخاص بنا من مكافحة المرض بنفسه، وتشكيل الأجسام المضادة في الدم لفترة طويلة بعد الإصابة. يدّعي البعض أن هذا التفاعل لجهازنا المناعي هو سبب مرض لايم المزمن، والذي لا يمكن علاجه إلا عن طريق جرعات من المضادات الحيوية طويلة الأمد.
لكن تواجد الأجسام المضادة في الدم وحده ليست مؤشراً على أن هذا المرض موجود في الحقيقة. “ففي الواقع، لا توجد دراسات تبين أن العلاج طويل الأمد بالمضادات الحيوية مثمرٌ في التخلص من أعراض مرض بورليوس المزمن”  قال ديجام. فقط عندما يكون هناك المزيد من علامات المرض الواضحة – مثل حلقة حمراء حول موقع ثقب القراد – يتم التعامل مع مرض لايم بالمضادات الحيوية لبضعة أسابيع. ولذلك، فإن اختبار الدم الإيجابي لميكروبات بوريليا ليس فعالاً تماماً في البحث عن أسباب التعب المستمر.

قد يكون الاكتئاب سبباً في الإرهاق المزمن

الاكتئاب مرض نفسي يفتك بجسم الإنسان إن لم يعالج
الاكتئاب مرض نفسي يفتك بجسم الإنسان إن لم يعالج

لا يجب القيام باختبار الدم روتينياً، بل يجب القيام به للأسباب المناسبة. على سبيل المثال، عندما يكون هناك دليل واضح على الآثار الجانبية للأدوية أو العدوى. بينما في حالات أخرى، لا يعتبر اختبار الدم ضروري، وخاصة إذا أظهرت الفحوص الطبية السابقة أدلة على سبب المرض و لم يكن الدم جزءاً من هذه الأدلة. على سبيل المثال، يمكن الكشف عن التعب المزمن عند خُمس مرضى الاكتئاب. عند فحص مدى تسبب كلتا الحالتين لبعضهما البعض (الاكتئاب و التعب المزمن)، فإن اختبار الدم الخاص ليس ضرورياً هنا على الإطلاق، ولكن الفحص الأساسي في هذه الحالة هو صورة الدم الكلاسيكية، والتي توفر لمحة عامة عن الخلايا الواردة في الدم.
وبهذه الطريقة، على سبيل المثال، يمكن تحديد نقص خلايا الدم الحمراء. وبالإضافة إلى ذلك، يوصى بفحص البروتين سي-التفاعلي (سي آر پي) لأنه مؤشر موثوق نسبياً للعدوى والالتهاب وتخرّب الأنسجة. وقد تأكد للجميع من أن هذه العوامل تجعلهم متعبين، فهذا هو الحال عند الشعور بالتعب بعد الإصابة بمرض الزكام. ولكن أيضاً في حالات الالتهاب التي لا يلاحظها المرء- مثل الجيوب الفكية أو اللثة – يتم إطلاق مواد كيميائية في الجسم التي لها تأثير مباشر على الجهاز العصبي المركزي، وتسبب الإرهاق والتعب.
من وجهة نظر بيولوجية، هذه الآلية منطقية: من يشعر بالتعب، بالكاد يتحرك، وبذلك يكون الشخص المتضرر أقل عرضة للتعب والجهاز المناعي يعمل بذلك على نحو أفضل.
جزء آخر من اختبار الدم الأساسي هو اختبار هرمون محفّزالغدة الدرقية (تش). وجوده يوفر معلومات موثوقة عن وظائف الغدة الدرقية. التعب والإرهاق هم من الأعراض النموذجية لنقص إفراز هذا الهرمون. وبالإضافة إلى ذلك، ينبغي أن يحدد مستوى السكر في الدم – فبعد كل شيء، الدماغ يعتمد على السكر كوقود- فإذا اختّل توازنه فإن ذلك سيظهرعلى شكل إرهاق.

الكبد كعامل مسبب للإرهاق.

بالإضافة إلى كل ما سبق، يجب قياس قيم عوامل الكبد، كما يقول مايسل. ويقول الأطباء أن التعب قد ينتج عن ألم الكبد. وذلك لأن الأمراض التي تصيب هذه الغدة وكمية السموم بشكل عام غالباً ما تبقى في الجسم دون أن يلاحظها أحد لفترة طويلة. يبدأ الألم في الكبد فقط عندما يتضخّم الكبد جداً بسبب الضرر في الأنسجة الضامة المحيطة به، أي أن المرض بالفعل وصل إلى مرحلة متقدمة. في حالة حدوث تلف، يقوم الكبد بإطلاق بعض البروتينات في الدم. وينبغي أيضاً جمع هذه  القيم من أجل التعرف على درجة المرض في الوقت المناسب. وفقاً لهذا، ربع البالغين في ألمانيا يمتلكون بالفعل كبداً دهنياً.

الكبد الدهني
الكبد الدهني

وبذلك على الرغم من كل الدقة والموثوقية التي يمكن أن  تقدّمها اختبارات الدم الآن في المختبرات, لا ينبغي على المرء أن يتوقع الكثير منها.
“فهناك أناس يشعرون بالنشاط على الرغم من القيم الفقيرة للدم عندهم”، ويقول مايسل “، في حين هناك آخرون يشعرون بالتعب والإنهاك دون وجود قيم لافتة للنظر بطريقة أو بأخرى في تحاليل الدم الخاصة بهم.” لذلك يوصي مايسل، الذي يدرّس في جامعة مونستر، بإجراء اختبار الدم في حالات التعب المستمر أولاً بعد استنفاذ خيارات التشخيص والعلاج التقليدية. وأخيراً، تعتبر المحادثة بين الطبيب والمريض الأهم على الإطلاق على الرغم من أن البعض يجدون الموضوع ممل أكثر من اختبار الدم الخاص، لكنه غالباً ما يوفر أدلة دقيقة لقضية التعب المستمر.

مترجم بتصرف عن: WeLT

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.