تاريخ الثورة الصناعية

0 2٬237

كانت الثورة الصناعية التي بدأت من القرن الثامن عشر إلى القرن التاسع عشر، فترةً أصبحت فيها المجتمعات الريفية الزراعية في أوروبا وأمريكا صناعية وحضرية. فقبل الثورة الصناعية، التي بدأت في بريطانيا في أواخر القرن الثامن عشر كان يتم التصنيع في كثير من الأحيان في منازل الناس، وذلك باستخدام الأدوات اليدوية أو الآلات الأساسية. وحدد التصنيع تحولاً إلى الآلات التي تعمل بالطاقة، والآليات المختصة، والمصانع، والإنتاج بالجملة. لعبت صناعات الحديد والنسيج، جنباً إلى جنب مع تطوير المحرك البخاري أدواراً مركزية في الثورة الصناعية، التي شهدت أيضاً أنظمة محسنة للنقل والاتصالات والمصارف. وفي حين أن التصنيع أدى إلى زيادة حجم وتنوع السلع المصنعة وتحسين مستوى المعيشة بالنسبة للبعض، إلا أنه أدى أيضاً في كثير من الأحيان إلى ظروف عمل ومعيشة قاسية للفقراء والطبقات العاملة.

  • بريطانيا: مسقط رأس الثورة الصناعية.

قبل مجيء الثورة الصناعية، كان معظم الناس يقيمون في مجتمعات ريفية صغيرة حيث تدور حياتهم اليومية حول الزراعة. وكانت الحياة بالنسبة للشخص العادي صعبة، حيث كانت الإيرادات ضئيلة، وكان سوء التغذية والأمراض شائعاً. أنتج الناس الجزء الأكبر من طعامهم وملابسهم وأثاثهم وأدواتهم حيث أن التصنيع كان يتم في المنازل أو المتاجر الصغيرة، باستخدام أدوات يدوية أو آلات بسيطة. وقد ساهم عدد من العوامل في دور بريطانيا كمسقط رأس الثورة الصناعية. أولاً لأن لديها احتياطات كبيرة من الفحم وخام الحديد، ما ثبت أنه ضروري للتصنيع. إضافة إلى ذلك كانت بريطانيا مجتمعاً سياسياً مستقراً، وقوة استعمارية رائدة في العالم، مما يعني أن مستعمراتها يمكن أن تكون مصدراً للمواد الخام، فضلاً عن سوقٍ للسلع المصنعة. ومع زيادة الطلب على السلع البريطانية، احتاج التجار إلى أساليب إنتاج أكثر فعالية من حيث التكلفة، مما أدى إلى ظهور المكننة ونظام المصنع.

https://www.pbs.org/newshour/nation/key-englands-economic-growth-rich-outlived-poor
ازدهار بريطانيا قائدة الثورة الصناعية
  • الابتكارات والصناعات.

تحولت صناعة النسيج بوجه خاص بفضل التصنيع الآلي . فقبل المكننة والمصانع، كانت المنسوجات مصنوعةً غالباً في المنازل (مما أوجد مصطلح صناعة الكوخ)، مع تأمين التجار في كثير من الأحيان للمواد الخام والمعدات الأساسية، ومن ثم تحصيل المنتج النهائي. وضع العمال جداولهم الزمنية الخاصة في إطار هذا النظام، والتي أثبتت صعوبتها على التجار لتنظيمها وأبدت عدم كفاءتها. في القرن الثامن عشر، أدت سلسلة من الابتكارات إلى إنتاجية متزايدة باستمرار، متطلبةً طاقةً بشرية أقل. على سبيل المثال، حوالي عام 1764، اخترع الإنكليزي جيمس هارجريفز (1722-1778) مغزل جيني (“جيني” اختصاراً مبكراً لكلمة “اينجن أو المحرك” )، وهي آلة مكنت الفرد من إنتاج بكرات متعددة من الخيوط في وقت واحد. وبحلول وقت وفاة هارغريفز، كان هناك أكثر من 20،000 مغزل جيني مستخدم في جميع أنحاء بريطانيا. وتم تحسين مغزل جيني من قبل المخترع البريطاني صامويل كومبتون (1753-1827) المغزل الهجين، فضلاً عن آلات أخرى لاحقاً. كما تم تطوير ابتكار رئيسي آخر في النسيج، المغزل الآلي، الذي مكنن عملية نسيج القماش ثمانينات القرن الثامن عشر من قبل المخترع البريطاني إدموند كارترايت (1743-1823). كما لعبت التطورات في صناعة الحديد دوراً مركزياً في الثورة الصناعية. ففي أوائل القرن الثامن عشر اكتشف البريطاني أبراهام داربي (1678-1717) طريقة أرخص وأسهل لإنتاج حديد الصب، باستخدام فرن يعمل بفحم الكوك (بدلاً من الفحم الحجري). وفي الخمسينيات من القرن التاسع عشر، قام المهندس البريطاني هنري بيسيمر (1813-1898) بتطوير أول عملية غير مكلفة لإنتاج الصلب (الفولاذ). وأصبح كلٌّ من الحديد والصلب مواداً أساسية، تستخدم في صناعة كل شيء من الأجهزة والأدوات والآلات إلى السفن والمباني والبنية التحتية. وكان محرك البخار أيضاً جزءاً لا يتجزأ من التصنيع. في عام 1712 طور البريطاني توماس نيوكومين (1664-1729) أول محرك بخار عملي (والذي كان يستخدم في المقام الأول لضخ المياه خارج المناجم). وبحلول السبعينات من القرن الثامن عشر، قام المخترع الاسكتلندي جيمس وات (1736-1819) بتحسين عمل نيوكومين، وبدأ المحرك البخاري بتأمين الطاقة للآلات والقاطرات والسفن خلال الثورة الصناعية.

https://www.historycrunch.com/role-of-women-in-the-industrial-revolution.html
صناعة النسيج ودور المرأة في الثورة الصناعية
  • الثورة الصناعية ووسائل النقل.

شهدت صناعة النقل أيضاً تحولاً كبيراً خلال الثورة الصناعية. قبل ظهور المحرك البخاري تم نقل المواد الخام والسلع الجاهزة وتوزيعها عن طريق العربات التي تجرها الخيول، وباستخدام القوارب على طول القنوات والأنهار. في أوائل القرن التاسع عشر بنى الأميركي روبرت فولتون (1765-1815) أول باخرة (سفينة بخارية) ناجحة تجارياً، وبحلول منتصف القرن التاسع عشر، كانت البواخر تنقل الحمولات عبر المحيط الأطلسي. وعندما بدأت السفن البخارية بعملها دخلت قاطرة البخار حيز الاستخدام. في أوائل القرن التاسع عشر بنى المهندس البريطاني ريتشارد تريفيثيك (1771-1833) أول قاطرة بخارية للسكك الحديدية في عام 1830، وأصبح خط ليفربول ومانشستر للسكك الحديدية في إنجلترا أول من يقدم خدمات الركاب بشكل منتظم. وبحلول عام 1850 كان لدى بريطانيا أكثر من 6000 ميل من مسارات السكك الحديدية. بالإضافة إلى ذلك حوالي عام 1820 طور المهندس الاسكتلندي جون ماك آدام (1756-1836) عملية جديدة لبناء الطرق. تقنيته التي أصبحت تعرف باسم “ماك آدام” أسفرت عن طرقٍ أكثر سلاسةً، وديمومةً وأقل وحلاً.

http://transportmuseumassociation.org/big-boy-worlds-largest-successful-steam-locomotive/
القطار البخاري
  • الاتصالات والبنوك في الثورة الصناعية.

أصبح الاتصال أسهل خلال الثورة الصناعية مع وجود الاختراعات مثل التلغراف. في عام 1837 قام بريطانيان وليام كوك (1806-1879) وتشارلز ويتستون  (1802-1875) بالحصول على براءة اختراع أول تلغراف كهربائي تجاري. بحلول عام 1840، استخدمت السكك الحديدية نظام كوك-ويتستون، وفي عام 1866، تم وضع كابل للتلغراف بنجاح عبر المحيط الأطلسي. شهدت الثورة الصناعية أيضاً صعود البنوك والممولين الصناعيين، بالإضافة إلى نظام مصنع يعتمد على الملاك والمدراء. تأسست بورصة في لندن في سبعينات القرن الثامن عشر، وتأسست بورصة نيويورك في أوائل تسعينات القرن الثامن عشر. في عام 1776 نشر الفيلسوف الاجتماعي الاسكتلندي آدم سميث (1723-1790) الذي يعتبر مؤسس الاقتصاد الحديث، “ثروة الأمم”. فيه روّج سميث نظاماً اقتصادياً يقوم على المشاريع الحرة، والملكية الخاصة لوسائل الإنتاج، وعدم تدخل الحكومة.

https://www.thoughtco.com/development-of-banking-the-industrial-revolution-1221645
بنك سكوتلاند, إحدى إنجازات الثورة الصناعية
  • نوعية الحياة أثناء التصنيع.

أدت الثورة الصناعية إلى زيادة حجم وتنوع السلع المنتجة للمصنع ورفع مستوى المعيشة لكثير من الناس، بالأخص لدى الطبقات المتوسطة والعليا. غير أن حياة الفقراء والطبقات العاملة بقيت مليئة بالتحديات، وكانت أجور أولئك الذين يعملون في المصانع منخفضة مقارنة بظروف العمل الخطيرة والرتيبة. ولم يكن للعمال (غير المهرة منهم) أمان وظيفيّ يذكر وكان استبدالهم سهلاً. كان الأطفال جزءاً من القوة العاملة وغالباً ما يعملون لساعات طويلة ويستخدمون لمهام شديدة الخطورة كتنظيف الآليات. في أوائل ستينات القرن التاسع عشر كان يقدر بأنّ خمس العمال في صناعة الغزل والنسيج في بريطانيا أصغر من عمر الخامسة عشر. كان التصنيع يعني أيضاً أن بعض الحرفيين قد تم استبدالهم بآلات. وبالإضافة إلى ذلك، لم تتمكن المناطق الحضرية والصناعية من مواكبة تدفق العمال الوافدين من الريف، مما أدى لوجود المساكن المزدحمة غير الكافية، والظروف المعيشية الملوثة وغير الصحية والتي تنتشر فيها الأمراض. بدأت ظروف الطبقة العاملة في بريطانيا تتحسن تدريجياً في الجزء الأخير من القرن التاسع عشر حيث وضعت الحكومة العديد من إصلاحات العمالة واكتسب العمال الحق في تشكيل نقابات العمال.

اقرأ أيضاً على أعجمي: تاريخ العالم في 3 دقائق.

  • امتداد التصنيع خارج حدود بريطانيا.

أصدر البريطانيون تشريعات لحظر تصدير التكنولوجيا والعمال المهرة إلا أنها لم تحقق نجاحاً يذكر في هذا الصدد. وانتشر التصنيع من بريطانيا إلى بلدان أوروبية أخرى، بما في ذلك بلجيكا وفرنسا وألمانيا، والولايات المتحدة. وبحلول منتصف القرن التاسع عشر، كان التصنيع راسخاً في جميع أنحاء الجزء الغربي من أوروبا والمنطقة الشمالية الشرقية من أمريكا. وبحلول أوائل القرن العشرين أصبحت الولايات المتحدة الأمة الصناعية الرائدة في العالم.

المصدر.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.